الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)
.تفسير الآيات (157- 159): {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (158) وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)}هذه الآية والتي قبلها عدد الله تعالى فيها أقوال بني إسرائيل وأفعالهم على اختلاف الأزمان وتعاقب القرون، فاجتمع من ذلك توبيخ خلفهم المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم، وبيان الحجة في أن وجبت لهم اللعنة وضربت عليهم الذلة والمسكنة، فهذه الطائفة التي قالت {إنا قتلنا المسيح} غير الذين نقضوا الميثاق في الطور، وغير الذين اتخذوا العجل، وقول بني إسرائيل إنما هو إلى قوله: {عيسى ابن مريم} وقوله عز وجل: {رسول الله} إنما هو إخبار من الله تعالى بصفة لعيسى وهي الرسالة، على جهة إظهار ذنب هؤلاء المقرين بالقتل، ولزمهم الذنب وهم لم يقتلوا عيسى لأنهم صلبوا ذلك الشخص على أنه عيسى، وعلى أن عيسى كذاب ليس برسول، ولكن لزمهم الذنب من حيث اعتقدوا أن قتلهم وقع في عيسى فكأنهم قتلوه، وإذا كانوا قتلوه فليس يرفع الذنب عنهم اعتقادهم أنه غير رسول، كما أن قريشاً في تكذيبها رسول الله لا ينفعهم فيه اعتقادهم أنه كذاب، بل جازاهم الله على حقيقة الأمر في نفسه، ثم أخبر تعالى أن بني إسرائيل ما قتلوا عيسى ولا صلبوه ولكن شبه لهم، واختلفت الرواة في هذه القصة وكيفيتها اختلافاً شديداً أنا أختصر عيونه، إذ ليس في جميعه شيء يقطع بصحته، لأنه لم يثبت عن النبي عليه السلام فيه شيء، وليس لنا متعلق في ترجيح شيء منه إلا ألفاظ كتاب الله، فالذي لا نشك فيه أن عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض ويدعو إلى الله، وكانت بنو إسرائيل تطلبه، وملكهم في ذلك الزمان يجعل عليه الجعائل، وكان عيسى قد انضوى إليه الحواريون يسيرون معه حيث سار، فلما كان في بعض الأوقات شعر بأمر عيسى، فروي أن أحد الحواريين رشي عليه فقبل الرشوة ودل على مكانه، فلما أحس عيسى وأصحابه بتلاحق الطالبين بهم دخلوا بيتاً بمرأى من بني إسرائيل فروي: أنهم عدوهم ثلاثة عشر، وروي ثمانية عشر وحصروا ليلاً فروي أن عيسى فرق الحواريين عن نفسه تلك الليلة، ووجههم إلى الآفاق، وبقي هو ورجل معه فرفع عيسى وألقي شبهه على الرجل فصلب ذلك الرجل، وروي أن الشبه ألقي على اليهودي الذي دل عليه فصلب، وروي أن عيسى عليه السلام لما أحيط بهم قال لأصحابه: أيكم يلقي شبهي عليه فيقتل ويخلص هؤلاء وهو رفيقي في الجنة؟ فقال سرجس: أنا، وألقي عليه شبه عيسى، ويروى أن شبه عيسى عليه السلام ألقي على الجماعة كلها، فلما أخرجهم بنو إسرائيل نقص واحد من العدة، فأخذوا واحداً ممن ألقي عليه الشبه حسب هذه الرويات التي ذكرتها، فصلب ذلك الشخص، وروي: أن الملك والمتناولين لم يخف عليهم أمر رفع عيسى لما رأوه من نقصان العدة واختلاط الأمر فصلب ذلك الشخص وأبعد الناس عن خشبته أياماً حتى تغير ولم تثبت له صفة، وحينئذ دنا الناس منه ومضى الحواريون يحدثون بالآفاق أن عيسى صلب، فهذا أيضاً يدل على أنه فرقهم وهو في البيت، أو على أن الشبه ألقي على الكل، وروي أن هذه القصة كلها لم يكن فيها إلقاء شبه شخص عيسى على أحد وإنما المعنى {ولكن شبه لهم} أي شبه عليهم الملك الممخرق، ليستديم ملكه، وذلك أنه لما نقص واحد من الجماعة وفقد عيسى عمد إلى أحدهم وبطش بصلبه وفرق الناس عنه.وقال: هذا عيسى قد صلب وانحل أمره، وقوله تعالى {وإن الذين اختلفوا فيه} يعني اختلاف المحلولين لأخذه، لأنهم حين فقدوا واحداً من العدد وتحدث برفع عيسى اضطربوا واختلفوا، وعلى رواية من روى أنه ألقي شبه يوشك أنه بقي في ذلك الشبه مواضع للاختلاف، لكن أجمعوا على صلب واحد على غير ثقة ولا يقين أيهم هو.قال القاضي- رحمه الله: الذي صح فيه نقل الكافة عن حواسها هو أن شخصاً صلب، وأما هل هو عيسى أم لا؟ فليس من علم الحواس، فلذلك لم ينفع في ذلك نقل كافة اليهود والنصارى، ونفى الله عنهم أن يكون لهم في أمره علم على ما هو به، ثم استثنى اتباع الظن وهو استثناء متصل، إذ الظن والعلم يضمهما جنس واحد أنهما من معتقدات النفس، وقد يقول الظان على طريق التجوز: علمي في هذا الأمر أنه كذا، وهو يعني ظنه. وقوله تعالى: {وما قتلوه يقيناً} اختلف المتأولون في عود الضمير من {قتلوه} فقالت فرقة: هو عائد على الظن كما تقول: قتلت هذا الأمر علماً، فالمعنى وما صح ظنهم عندهم ولا تحققوه يقيناً، هذا قول ابن عباس والسدي وجماعة، وقال قوم: الضمير عائد على عيسى، أخبر أنهم لم يقتلوه يقيناًن فيصح لهم الإصفاق ويثبت نقل كافتهم، ومضمن الكلام أنهم ما قتلوه في الحقيقة جملة واحدة لا يقيناً ولا شكاً، لكن لما حصلت في ذلك الدعوى صار قتله عندهم مشكوكاً فيه، وقال قوم من أهل اللسان: الكلام تام في قوله: {وما قتلوه} و{يقيناً} مصدر مؤكد للنفي في قوله: {وما قتلوه} المعنى يخبركم يقيناً، أو يقص عليكم يقيناً، أو أيقنوا بذلك يقيناً، وقوله تعالى {بل رفعه الله إليه} يعني إلى سمائه وكرامته، وعيسى عليه السلام حي في السماء الثانية على ما تضمن حديث الإسراء في ذكر ابني الخالة عيسى ويحيى ذكره البخاري في حديث المعراج، وذكره غيره، وهو هناك مقيم حتى ينزله الله لقتل الدجالة، وليملأ الأرض عدلاً، ويحيا فيها أربعين سنة ثم يموت كما يموت البشر.وقوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته} اختلف المتأولون في معنى الآية فقال ابن عباس وأبو مالك والحسن بن أبي الحسن وغيرهم: الضمير في {موته} راجع إلى عيسى، والمعنى أنه لا يبقى من أهل الكتاب أحد إذا نزل عيسى إلى الأرض إلا يؤمن بعيسى كما يؤمن سائر البشر، وترجع الأديان كلها واحداً، وقال مجاهد وابن عباس أيضاً وغيرهما: الضمير في {به} لعيسى وفي {موته} للكتابي الذي تضمنه قوله: {وإن من أهل الكتاب} التقدير: وإن من أهل الكتاب أحد، قالوا: وليس يموت يهودي حتى يؤمن بعيسى روح الله، ويعلم أنه نبي ولكن عند المعاينة للموت، فهو إيمان لا ينفعه، كما لم ينفع فرعون إيمانه عند المعاينة، وقال هذا القول عكرمة والضحاك والحسن بن أبي الحسن أيضاً، وقال عكرمة أيضاً: الضمير في {به} لمحمد عليه السلام، و{قبل موته} للكتابي، قال: وليس يخرج يهودي ولا نصراني من الدنيا حتى يؤمن بمحمد، ولو غرق أو سقط عليه جدار فإنه يؤمن في ذلك الوقت، وفي مصحف أبي بن كعب {قبل موتهم} ففي هذه القراءة تقوية لعود الضمير على الكتابي، وقرأ الفياض بن غزوان {وإنّ من أهل الكتاب} بتشديد إن والضمير المستتر في يكون هو لعيسى عليه السلام في جل الأقوال، ولمحمد عليه السلام في قول عكرمة..تفسير الآيات (160- 162): {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161) لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (162)}قوله تعالى: {فبظلم} عطف على قوله: {فبما نقضهم} [النساء: 155] كأنه قال فبنقضهم لعناهم وأوجبنا عذابهم، فبظلم منهم حرمنا عليهم المطاعم، وجعل الله تعالى هذه العقوبة الدنيوية إزاء ظلم بني إسرائيل في تعنتهم وسائر أخلاقهم الدميمة، و{الطيبات} هنا: هي الشحوم وبعض الذبائح والطير والحوت وغير ذلك، وقرأ ابن عباس {طيبات كانت أحلت لهم} وقوله تعالى {وبصدهم عن سبيل الله كثيراً} يحتمل أن يريد صدهم في ذاتهم، ويحتمل أن يريد صدهم غيرهم، وإلى هذا ذهب الطبري، وقال: هو جحدهم أمر محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم صدوا بذلك جمعاً عظيماً من الناس عن سبيل الله {وأخذهم الربا}: هو الدرهم بالدرهمين إلى أجل ونحو ذلك مما هو مفسدة، وقد نهوا عنه فشرعوه لأنفسهم واستمروا عليه من ذلك، ومن كراء العين ونحوه، وأكل أموال الناس بالباطل: هو الرشى ثم استثنى الله تعالى من بني إسرائيل {الراسخين} في علم التوراة الذين قد تحققوا أمر محمد عليه السلام وعلاماته، وهم: عبد الله بن سلام، ومخيريق، ومن جرى مجراهما، {والمؤمنون}: عطف على الراسخين، و{ما أنزل} إلى محمد هو القرآن، والذي أنزل من قبله: هو التوراة والإنجيل، واختلف الناس في معنى قوله: {والمقيمين} وكيف خالف إعرابها إعراب ما تقدم وتأخر، فقال أبان بن عثمان بن عفان وعائشة رضي الله عنها: ذلك من خطأ كاتب المصحف، وروي أنها في مصحف أبيّ بن كعب {والمقيمون} وكذلك روى عصمة عن الأعمش، وكذلك قرأ سعيد بن جبير، وكذا قرأ عمرو بن عبيد والجحدري وعيسى بن عمر ومالك بن دينار، وكذلك روى يونس وهارون عن أبي عمرو، وقال آخرون: ليس ذلك من خطأ الكاتب ولا خطأ في المصحف، وإنما هذا من قطع النعوت إذا كثرت على النصب بأعني، والرفع بعد ذلك بهم، وذهب إلى هذا المعنى بعض نحويي الكوفة والبصرة، وحكي عن سيبويه: أنه قطع على المدح، وخبر {لكن} {يؤمنون} لأن المدح لا يكون إلا بعد تمام الجملة الأولى، وهذا كقول خرنق بنت هفان: [الكامل]قال القاضي أبو محمد: وقد فرق بين الآية والبيت بحرف العطف الذي في الآية، فإنه يمنع عند بعضهم تقدير الفعل، وفي هذا نظر، وقال قوم: قوله تعالى {والمقيمين} ليس بعطف على قوله: {والمؤمنون} ولكن على {ما} في قوله: {وما أنزل من قبلك} والمعنى يؤمنون بالمقيمين الصلاة وهم الملائكة، وقال بعضهم: بل من تقدم من الأنبياء، قالوا: ثم رجع بقوله: {والمؤتون} فعطف على قوله: {والمؤمنون} وقال قوم {والمقيمين} عطف على {ما أنزل}، والمراد بهم المؤمنون بمحمد، أي يؤمن الراسخون بهم وبما هم عليه، ويكون قوله: {المؤتون} أي وهم المؤتون، وقال قوم {والمقيمين} عطف على الضمير في منهم، وقال آخرون: بل على الكاف في قوله: {من قبلك} ويعني الأنبياء، وقرأت فرقة {سنؤتيهم} بالنون، وقرأت فرقة {سيؤتيهم} بالياء. .تفسير الآيات (163- 164): {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (164)}روي عن عبد الله بن عباس: أن سبب هذه الآية أن سكيناً الحبر وعدي بن زيد قالا: يا محمد ما نعلم أن الله أنزل على بشر شيئاً بعد موسى، ولا أوحي إليه، فنزلت هذه الآية تكذيباً لقولهما، وقال محمد بن كعب القرظي: لما أنزل الله {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء} [النساء: 153] إلى آخر الآيات، فتليت عليهم وسمعوا الخبر بأعمالهم الخبيثة قالوا: ما أنزل الله على بشر من شيء ولا على موسى ولا على عيسى وجحدوا جميع ذلك فأنزل الله {وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء} [الأنعام: 91] والوحي: إلقاء المعنى في خفاء، وعرفه في الأنبياء بواسطة جبريل عليه السلام، وذلك هو المراد بقوله: {كما أوحينا} أي بملك ينزل من عند الله، و{نوح} أول الرسل في الأرض إلى أمة كافرة، وصرف نوح مع العجمة والتعريف لخفته، و{إبراهيم} عليه السلام هو الخليل، {وإسماعيل} ابنه الأكبر وهو الذبيح في قول المحققين وهو أبو العرب، {وإسحاق} ابنه الأصغر {ويعقوب} هو ولد إسحاق هو إسرائيل، {والأسباط}: بنو يعقوب، يوسف وإخوته، {وعيسى} هو المسيح، {وأيوب} هو المبتلى الصابر، {ويونس} هو ابن متى، وروى ابن جماز عن نافع: يونس بكسر النون، وقرأ ابن وثاب والنخعي- بفتحها، وهي كلها لغات، {وهارون} هو ابن عمران، {وسليمان} هو النبي الملك، و{داود}: أبوه، وقرأ جمهور الناس {زَبوراً} بفتح الزاي، وهو اسم كتاب داود تخصيصاً، وكل كتاب في اللغة فهو زبور من حيث تقول زبرت الكتاب إذا كتبته، وقرأ حمزة وحده {زُبوراً} بضم الزاي، قال أبو علي: يحتمل أن يكون جمع زبر، أوقع على المزبور اسم الزبر، كما قالوا ضرب الأمير، ونسج اليمن، وكأن سمي المكتوب كتاباً، ويحتمل أن يكون جمع زبور على حذف الزيادة، كما قالوا: ظريف وظروف وكروان وكروان وورشان وورشان، ونحو ذلك مما جمع بحذف الزيادة، ويقوي هذا الوجه أن التكسير مثل التصغير، وقد اطرد هذا المعنى في تصغير الترخيم نحو أزهر وزهير، وحارث وحريث، وثابت وثبيت، فالجمع مثله في القياس إن كان أقل منه في الاستعمال.وقوله تعالى: {ورسلاً قد قصصناهم عليك} الآية، نصب {رسلاً} على المعنى، لأن المعنى إنا أرسلناك كما أرسلنا نوحاً، ويحتمل أن ينصب {رسلاً} بفعل مضمر تقديره أرسلنا رسلاً، لأن الرد على اليهود إنما هو في إنكارهم إرسال الرسل واطراد الوحي، وفي حرف أبي بن كعب {ورسل} في الموضعين بالرفع على تقديرهم رسل، و{قصصناهم} معناه ذكرنا اسماءهم وأخبارهم، وقوله تعالى: {ورسلاً لم نقصصهم عليك} يقتضي كثرة الأنبياء دون تحديد بعدد، وقد قال تعالى: {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير} [فاطر: 24] وقال تعالى: {وقروناً بين ذلك كثيراً} [الفرقان: 38] وما يذكر من عدد الأنبياء فغير صحيح، الله أعلم بعدتهم، صلى الله عليهم، وقوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليماً} إخبار بخاصة موسى، وأن الله تعالى شرفه بكلامه ثم أكد تعالى الفعل بالمصدر، وذلك منبئ في الأغلب عن تحقيق الفعل ووقوعه، وأنه خارج عن وجوه المجاز والاستعارة، لا يجوز أن تقول العرب: امتلأ الحوض وقال: قطني قولاً، فإنما تؤكد بالمصادر الحقائق، ومما شذ قول هند بنت النعمان بن بشير:وكلام الله للنبي موسى عليه السلام دون تكييف ولا تحديد ولا تجويز حدوث ولا حروف ولا أصوات، والذي عليه الراسخون في العلم: أن الكلام هو المعنى القائم في النفس، ويخلق الله لموسى أو جبريل إدراكاً من جهة السمع يتحصل به الكلام، وكما أن الله تعالى موجود لا كالموجودات، معلوم لا كالمعلومات فكذلك كلامه لا كالكلام، وما روي عن كعب الأحبار عن محمد بن كعب القرظي ونحوهما: من أن الذي سمع موسى كان كأشد ما يسمع من الصواعق، وفي رواية أخرى كالرعد الساكن فذلك كله غير مرضي عند الأصوليين، وقرأ جمهور الأمة {وكلم اللهُ موسى} بالرفع في اسم الله، وقرأ يحيى بن وثاب وإبراهيم النخعي {وكلم الله} بالنصب على أن موسى هو المكلم، وهي قراءة ضعيفة من جهة الاشتهار، لكنها مخرجة من عدة تأويلات.
|